pf-logo-en
pf-logo-ar

النشيد الوطني الإماراتي: الكلمات، المعاني، والتاريخ

يُعد النشيد الوطني الإماراتي “عيشي بلادي” أكثر من مجرد مقطوعة موسيقية تُعزف في المناسبات؛ إنه رمز صوتي للسيادة، وتجسيد لروح الاتحاد، وقصة فخر تروي طموحات أمة. يتردد صدى هذا النشيد في كل ركن من أركان الدولة، حاملًا معه قيم الولاء والانتماء التي بُنيت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة.

منذ قيام الاتحاد عام 1971، كان نشيد الإمارات شاهدًا على مسيرة الدولة التنموية، مواكبًا إنجازاتها في جميع المشاريع الجديدة من الأرض إلى الفضاء. في هذا المقال، نغوص في تاريخ هذا الرمز الوطني، ونستكشف قصة ميلاد لحنه وكلماته، ونحلل المعاني العميقة التي يحملها كل بيت من أبياته.

تاريخ النشيد الوطني الإماراتي: من اللحن إلى الكلمات

صورة توضيحية لرفع علم الإمارات للدلالة على السلام الوطني وأداء النشيد الوطني الإماراتي

لم يُولد النشيد الوطني الإماراتي بشكله الكامل الذي نعرفه اليوم دفعة واحدة، بل مر بمرحلتين رئيسيتين تفصل بينهما 15 عامًا.

المرحلة الأولى: اللحن الرسمي (1971)

مع بزوغ فجر الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، برزت حاجة ملحة لوجود رموز وطنية تعبر عن الدولة الوليدة، وكان من بينها السلام الوطني. في ذلك الوقت، تم تكليف الموسيقار المصري المبدع سعد عبد الوهاب بوضع لحن موسيقي يليق بهيبة الدولة.

ابتكر عبد الوهاب لحنًا خالدًا، يجمع بين القوة والشموخ، وتم اعتماده رسميًا ليكون السلام الوطني. وطوال 15 عامًا (من 1971 إلى 1986)، كان هذا اللحن يُعزف في جميع المناسبات الرسمية ومراسم رفع العلم، كسلام وطني صامتٍ خالٍ من الكلمات، مكتفيًا بقوة موسيقاه للتعبير عن هيبة اللحظة.

المرحلة الثانية: ميلاد الكلمات (1986)

جاءت نقطة التحول في عام 1986. يُروى أن معالي الدكتور عارف الشيخ، الذي كان يعمل آنذاك في وزارة التربية والتعليم، كان حاضرًا في إحدى المناسبات المدرسية. لفت انتباهه أن الطلاب يرددون ألحانًا مختلفة ويؤدون حركات متنوعة أثناء عزف السلام الوطني، لعدم وجود كلمات موحدة.

إدراكًا منه لأهمية وجود كلمات ترسخ قيم الولاء والانتماء في نفوس الأجيال الجديدة، رفع الدكتور عارف الشيخ الأمر إلى وزير التربية والتعليم آنذاك. ونظرًا لخلفيته كشاعر وأديب إماراتي متمكن، تم تكليفه بالمهمة الصعبة: كتابة كلمات تتماشى تمامًا مع اللحن الموجود مسبقًا.

كان التحدي كبيرًا، فالكتابة على لحن جاهز تُقيد الشاعر بقياسات موسيقية دقيقة. ومع ذلك، وخلال ثلاثة أيام فقط، نجح الدكتور عارف الشيخ في صياغة الكلمات التي نعرفها ونرددها اليوم. عُرضت الكلمات على مجلس الوزراء، الذي اعتمدها رسميًا لتصبح الجزء المكمل للحن، ويولد بذلك النشيد الوطني الإماراتي “عيشي بلادي” بشكله المتكامل.

مؤلفو النشيد: عبقرية اللحن وعمق الكلمة

وراء هذا العمل الوطني الخالد يقف مبدعان، أحدهما وضع الأساس الموسيقي، والآخر منحه الروح والمعنى.

الملحن: سعد عبد الوهاب

هو موسيقار وممثل مصري، وهو ابن شقيق الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب. لم يكن سعد عبد الوهاب غريبًا عن التلحين الوطني؛ فقد قدم أعمالًا فنية عديدة. جاء اختياره لوضع لحن نشيد الإمارات ليعكس مكانته الفنية وقدرته على صياغة ألحان قوية وراسخة. نجح في تقديم مقطوعة موسيقية قصيرة ومكثفة، تبدأ بقوة وتتصاعد لتعبر عن العزة والشموخ.

كاتب الكلمات: الدكتور عارف الشيخ

هو شخصية إماراتية بارزة، فهو ليس مجرد شاعر، بل هو أيضًا رجل دين، وكاتب، وباحث، وإعلامي. شغل مناصب عدة في الدولة، وانعكست خلفيته الثقافية والدينية العميقة على الكلمات التي اختارها. استطاع الدكتور عارف الشيخ أن يمزج في نصه بين حب الوطن، وقيم الاتحاد، والعمق الديني والثقافي للدولة، والتعهد بالبناء والولاء، كل ذلك في نص موجز ومؤثر.

كلمات النشيد الوطني الإماراتي “عيشي بلادي”

صورة توضيحية لرفع علم الإمارات أثناء النشيد الوطني الإماراتي

هذا هو النص الكامل للنشيد الذي أصبح رمزًا للفخر والانتماء:

عيشي بلادي عاش اتحاد إماراتنا 

عشت لشعب دينه الإسلام هديه القرآن 

حصنتك بسم الله يا وطن 

بلادي بلادي بلادي بلادي 

حماك الإله شرور الزمان 

أقسمنا أن نبني نعمل 

نعمل نخلص نعمل نخلص 

مهما عشنا نخلص نخلص 

دام الأمان وعاش العلم يا إماراتنا 

رمز العروبة 

كلنا نفديكِ بالدماء نرويكِ 

نفديك بالأرواح يا وطن

تحليل عميق لمعاني “عيشي بلادي”

يحمل كل مقطع في النشيد الوطني الإماراتي دلالات عميقة تعكس المبادئ الأساسية للدولة:

المقطع الأول: الدعاء للوطن والاتحاد

(عِيشِي بِلَادِي عَاشَ اتِّحَادُ إِمَارَاتِنَا)

يبدأ النشيد بصيغة الدعاء “عيشي”، وهو تعبير عن الأمل في استمرارية وازدهار الوطن. ثم يربط هذا الدعاء مباشرة بـ “اتحاد إماراتنا”، ليؤكد أن قوة هذا الوطن وحياته تكمن في وحدته. هذا المقطع هو إقرار بأن الاتحاد هو حجر الزاوية الذي قامت عليه الدولة.

المقطع الثاني: هوية الشعب

(عِشْتِ لِشَعبٍ، دِينُهُ الْإِسْلَامُ هَدْيُهُ القُرْآن)

صورة توضيحية لأداء نشيد الإمارات في المدارس

يحدد هذا المقطع ملامح الهوية الجامعة للشعب الإماراتي. إنه يربط بين الوطن والشعب، موضحًا أن هذا الشعب يستمد قيمه ومبادئه من الدين الإسلامي السمح والقرآن الكريم كدليل ومرشد. هذا يعكس بوضوح العمق الثقافي والديني للمجتمع الإماراتي.

المقطع الثالث: التحصين والحماية

(حَصَّنتُكَ بِاسْمِ الله يَا وَطَن / بِلَادِي بِلَادِي بِلَادِي بِلَادِي / حَمَاكِ الْإِلَهُ شُرُورَ الزَّمَان)

هنا، يتحول النص من الوصف إلى الفعل. “حصنتك باسم الله” هو دعاء قوي بالحماية الإلهية للوطن. ويأتي تكرار كلمة “بلادي” أربع مرات ليؤكد على حب الوطن وتجذره في القلب، وهو أسلوب بلاغي لتعميق الشعور بالانتماء. ثم يتجدد الدعاء بـ “حماك الإله”، وهو طلب للحفظ من تقلبات الزمن وتحدياته.

المقطع الرابع: القسم بالبناء والإخلاص

(أَقْسَمْنَا أَنْ نَبْنِيَ نَعْمَل / نَعْمَل نُخْلِص نَعْمَل نُخْلِص / مَهْمَا عِشْنَا نُخْلِصْ نُخْلِصْ)

هذا هو قلب النشيد وعهده. ينتقل النص من الدعاء إلى “القسم”، وهو تعهد ملزم. القسم هنا ليس بالدفاع فقط، بل بالبناء والعمل.

  • ثلاثية (نبني، نعمل، نخلص): هي منهج عمل واضح. البناء أولًا، وهو يتطلب العمل، والعمل لا يكتمل إلا بالإخلاص.
  • التكرار (نعمل نخلص، نخلص نخلص): هذا التكرار اللفظي ليس حشوًا، بل هو تأكيد شديد على أن الإخلاص هو القيمة العليا والمستمرة “مهما عشنا”. إنه يعني أن العمل من أجل الوطن يجب أن يكون بإخلاص دائم لا ينقطع.

المقطع الخامس: رموز الدولة والأمان

(دَامَ الْأَمَانُ وَعَاشَ الْعَلَم يَا إِمَارَاتِنَا / رَمْزَ الْعُرُوبَة)

يربط هذا المقطع بين أهم قيمتين: “الأمان” و”العلم”. الأمان هو أحد أهم ركائز جاذبية واستقرار دولة الإمارات. “عاش العلم” هو دعاء باستمرارية السيادة والرفعة. ثم يصف العلم بأنه “رمز العروبة”، ليؤكد على انتماء الإمارات لعمقها العربي وهويتها الأصيلة.

المقطع السادس: ذروة التضحية والفداء

(كُلُّنَا نَفْدِيكِ بِالدِّمَاء نَرْوِيكِ / نَفْدِيكَ بِالْأَرْوَاحِ يَا وَطَن)

يصل النشيد إلى ذروته في هذا المقطع. إنه التعهد الأسمى بالفداء والتضحية. استخدام كلمتي “الدماء” و”الأرواح” هو أقوى تعبير عن الاستعداد لبذل الغالي والنفيس لحماية الوطن. وهو العهد الذي يربط كل مواطن بأرضه وقيادته.

بروتوكول وآداب عزف النشيد الوطني

لا يُعزف نشيد الإمارات بشكل عشوائي، بل تحكمه بروتوكولات رسمية تعكس احترامه كرمز للدولة:

  • المناسبات الرسمية: يُعزف النشيد في المناسبات الوطنية (مثل عيد الاتحاد ويوم العلم الإماراتي)، وفي مراسم استقبال رؤساء الدول، وفي احتفالات التخرج العسكرية والأكاديمية، وفي السفارات الإماراتية بالخارج.
  • الطابور المدرسي: يُعد عزف النشيد وتحية العلم جزءًا يوميًا أساسيًا في جميع مدارس الدولة، لترسيخ قيم الولاء والانتماء منذ الصغر.
  • المحافل الرياضية: يُعزف النشيد قبل المباريات الدولية للمنتخبات الوطنية، مما يبث الحماس في نفوس اللاعبين والجمهور. ففي بطولة كأس آسيا 2019 التي استضافتها أبوظبي، صدحت أنغام النشيد الوطني في أجواء مهيبة داخل استاد مدينة زايد الرياضية، حيث وقف آلاف المشجعين مرددين كلماته بفخر قبل انطلاق المباراة الافتتاحية، في مشهد يجسد الوحدة والانتماء تحت راية واحدة.
  • آداب الاحترام: عند عزف النشيد الوطني الإماراتي، يقتضي البروتوكول من جميع الحاضرين الوقوف احترامًا، والنظر باتجاه العلم، والتزام الصمت طوال مدة العزف.

الحضور الثقافي لنشيد الإمارات

صورة توضيحية لأداء النشيد الوطني الإماراتي في الفعاليات الرياضية الكبرى

تجاوز النشيد الوطني الإماراتي كونه مجرد سلام ملكي ليصبح جزءًا من النسيج الثقافي. ففي المناسبات الوطنية الكبرى، مثل احتفالات اليوبيل الذهبي للدولة أو يوم الشهيد، يتم تقديم توزيعات أوركسترالية جديدة وفخمة للنشيد، تبرز قوته الموسيقية.

كما أنه حاضر بقوة في الإعلام، حيث تبدأ به القنوات الرسمية بثها اليومي، ويُستخدم في الفعاليات المجتمعية لتوحيد مشاعر الفخر بين المواطنين والمقيمين على حد سواء.

وفي افتتاح المشاريع التجارية والسكنية الجديدة والمجتمعات المستدامة، يُعزف النشيد الوطني في مشهد يرمز إلى ارتباط التنمية بالهوية الوطنية. يعكس ذلك روح الانتماء التي ترافق كل إنجاز عمراني جديد، حيث يقف الحاضرون احترامًا للنشيد، في لحظة تجمع بين الفخر بالماضي والثقة في مستقبل يزداد ازدهارًا.

الخلاصة: صوت الاتحاد ورمز الفخر

إن النشيد الوطني الإماراتي “عيشي بلادي” هو أكثر من مجرد كلمات ولحن؛ إنه عقد اجتماعي يتجدد كل يوم. هو قصة اتحاد بدأت بلحن، واكتملت بكلمات تعبر عن هوية أمة، وتعهد شعب بالبناء والإخلاص. من الطابور المدرسي إلى أكبر المحافل الدولية، يبقى هذا النشيد صوتاً يذكر الجميع بقيم الوحدة، والتضحية، والطموح الذي لا يتوقف، والذي يميز مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة.

الأسئلة الشائعة

من كتب كلمات النشيد الوطني الإماراتي؟ 

كتب كلمات النشيد الوطني الإماراتي الشاعر والأديب الإماراتي الدكتور عارف الشيخ عبد الله الحسن. تم اعتماد هذه الكلمات رسميًا في عام 1986.

من ألّف لحن النشيد الوطني الإماراتي؟ 

ألّف اللحن الموسيقار المصري سعد عبد الوهاب. تم اعتماد اللحن كسلام وطني رسمي عند قيام الاتحاد في عام 1971.

ما هو موضوع النشيد الوطني الإماراتي؟ 

يدور النشيد حول الفخر بالوطن واتحاده، ويؤكد على الهوية الإسلامية والعربية للدولة. كما يتضمن قسمًا بالعمل والإخلاص من أجل بناء الوطن، وينتهي بتعهّد بالدفاع عنه والفداء بالأرواح.

متى أصبح للنشيد الوطني الإماراتي كلمات؟ 

أصبح للنشيد كلمات في عام 1986، أي بعد 15 عامًا من اعتماد اللحن (عام 1971). جاءت الكلمات لتضاف إلى اللحن الموجود مسبقًا.

في أي مناسبات يُردد النشيد الوطني الإماراتي؟

يُردد نشيد الإمارات في جميع المناسبات الوطنية والرسمية، مثل عيد الاتحاد ويوم العلم، وفي استقبال القادة، وفي الطابور الصباحي بالمدارس، وقبل المباريات الرياضية الدولية، وفي السفارات والمحافل الدولية التي تمثل الدولة.

Share Your Thoughts

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *